الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

الناس.. الدنيا.. وأنا وأنتِ

مقال نشرله لي
د/أحمد خالد توفيق في روايته الجديدة من فانتازيا
53- بحاران



كنت واقفًا في ساحة الكلية حينما مرت أمامي زميلتي (...) الفرقة الرابعة وكان وجهها ينطق بما يعتمل بداخلها ! فاتجهت إليها وسألتها عن أحوالها وبعد ذلك أخبرتني بشيء....
(...): أنا نفسي أخلص بقى عشان أروح مكان تاني وأعيش وسط ناس تانية.
أنا: يااااه.. ليه يعني؟؟!!
(...): الناس هنا بقت وحشة أوي.
أنا: عادي ده الطبيعي... وأكيد أحنا كمان وحشين...
(...): !!!! بس أنا عمري ما أديت وعد وخلفته... ياترى أنت وحش؟!!
أنا: أكيد في حاجات بعملها غلط...
ثم بعد ذلك تركتني لتلحق قطارها... وجلست أنا أفكر فيما قالت...
وإليها أكتب موضوعي هذا وإلى نفسي بعدها...
إن الحياة لن تسير كما نريد لها... ولن يتعامل الناس بما نريد لهم أن يتعاملوا...
فالدنيا من حولنا تغيرت... تغيرت كثيرًا... للأسوء من وجهة نظري !
فبرغم التطور والتكنولوجيا والتقدم لم يعد هناك أي صورة من صور المشاعر والعواطف...
انمحت تلك الكلمات من قاموس العالم اليوم !
ولكن رغم ذلك بعض منا يحتفظ بها بداخله- مثلك ومثلي- ولكن من يقدر؟؟
إن ما ذكرتيه من وعدٍ مخلوف لهو أبسط شيء من الممكن أن يحدث !
لقد اختلطت المبادئ تمامًا (على رأي كاتبي المفضل د/ أحمد خالد توفيق)
أنكِ لتري الآن الموظف المحافظ على أداء الفروض ثم يأتي ليأخذ الرشوة وكأنما الدين عبادات فحسب يؤديها بسرعة ثم يعود لأخذ الرشوة, تأملي ذلك الذي يحرص على الحمية ولا يأكل إلا ربع رغيف على الغداء ثم يلتهم علبة حلوى كاملة بعد الطعام!
تأملي الفتاة التي تغري الرجال طيلة الوقت فإذا تقرب منها واحد راحت تنعي الأخلاق وكيف يسيء الفتية فهم الصداقة! (بعض كلمات د/أحمد)
ومن الأمثلة الكثير والكثير... أنهم يظنون أنهم على حق لمجرد أنهم يفعلون نصف الصواب أو نصف الحقيقة...
أن العالم من حولنا أصبح مادي تمامًا... وأصبح لا قيمة هاهنا لأي إحساس داخلي...
أننا الآن من النادر أن تجدي مثلنا !
ولست أقصد بذلك أننا ملائكة... لا ولكننا نحاول ألا نكون مثلهم !
أن الناس كلها أصبحت كاذبة.. منافقة.. جشعة.. مرتشية..
أصبحت الدنيا سواد !
ونحن- إلى حد ما- مازلنا محتفظين بنقائنا...
ولكن النقاء حينما يكون وسط السواد فإنه- وغصبًا عنه- يتسخ ويفقد نقاؤه مع الوقت !
ولذا فنحن أيضًا مع الوقت نفقد بياضنا ونقائنا !
ولكننا نحاول... فقط نحاول... ألا ننزلق كلية إليهم !
وخلاصة القول...
إن النقاء أصبح الآن تهمة... وموضعًا للسخرية !
والمبادئ لم يعد لها معنى اليوم !
والمشاعر كلمة انمحت من القاموس كما قلت لكِ !
لذا فالمفروض أن نعيش بلا مبادئ وننسى مشاعرنا في ظلام تام هي دنيانا !

ولكن لا...
أننا سنعيش بمبادئنا ومشاعرنا... لعل الله يلقي بنوره على القلوب العمياء والمشاعر الجافة فنعود إلى سابق العهد والزمان... إلى...


زمن النقاء...

الاثنين، 11 أغسطس 2008

نار الاطمئنان

قصة قصيرة نشرها لي
د/أحمد خالد توفيق في روايته الجديدة من فانتازيا
53- بحاران





"محمود" اسم مألوف له رنين حلو و.... ولكن ليس هذا ما يهمنا ها هنا...
ذلك هو بطل قصتنا اليوم... إنسان عادي جدًا... مثلي ومثلك...
إنسان هادئ بطبعه... طيب... حاضر الذهن ويحب الدعابة...
إنسان ملتزم –إلى أقصى درجة- بتنفيذ القوانين...
يصرح –دائمًا كلما سنحت له الفرصة- بأن كل إنسان إذا التزم بالقوانين والضوابط الموضوعة من قبل الدولة أو الحكومة سوف تتغير الحياة للأفضل !
فهو مؤمن بذلك تمامًا...
يعمل "محمود" موظفًا في مصلحة حكومية... يحب عمله كثيرًا..
ولكنه كثيرًا ما يختلف مع زملاؤه في العمل... بالرغم من حبهم الشديد له وحبه كذلك لهم !
وذلك بسبب التزامه الشديد بكل ما هو رسمي أو قانوني أو شرعي...
فهو يرفض أي نوع من التحايل على القانون... يرفض أن توضع أوراق ذات قيمة مالية في درج مكتبه مقابل إنهاء أوراق مطلوبة دون المرور بدورته الحكومية الروتينية...
إنه يخشى مخالفة البيروقراطية- الروتين الحكومي-...
وذلك ما يجعله أحيانًا يشعر بالوحدة والضيق...
يشعر بالغربة وسط زملاؤه... يشعر بأنه وحده وسط أناس جشعة... تستغل وظيفتها أسوأ استغلال...
وحينما يتعمق الشعور بداخله... يحس بالضعف !
فهو واحد مقابل مئات... بل آلاف الآلاف...
ولكنه -في النهاية- قرر أن يمتلك سلاحًا !
سلاح يدافع به عن مبدئه... سلاح يحميه ويطمئنه...
وأخذ يفكر أيامًا وليالي في ماهية ذلك السلاح...
وأخيرًا هداه عقله إلى سلاح لا بأس به... سلاح قديم قدم الإنسان... إنه أول سلاح اكتشفه الإنسان...
إنه أول ما دافع به رجل الغابة-قديمًا- عن نفسه وأسرته ضد حيوانات الغابة المتوحشة...
إن السلاح ما هو إلا "النــــار" !
أرى ملامح الدهشة مرسومة على وجوهكم... وعلامات الاستنكار ترسم ملامحها بشدة... ولكن تلك ليست دعابة.. وبالطبع أنت لم تخطئ القراءة...
أنها الحقيقة إذن...
لقد قرر "محمود" أن يمتلك "ولاعة"...
لا أعلم كيف أصف لكم سعادته عندما توصل إلى ذلك القرار... لقد أحس بنشوة ما بعدها نشوة...
إنها نار الاطمئنان بالنسبة له...
( من يمتلك "مسدسًا" ويضعه باستمرار تحت وسادته أو في درج مكتبه... إنه غالبا لا يستخدمه وأحيانًا لا يعرف كيفية استخدمه... ولكن مجرد وجوده في متناول يده يعطيه الشعور بالاطمئنان...)
وذلك هو حال بطلنا...
لذا قرر امتلاك "ولاعة" نادرة... قرر أن تكون "الولاعة" غير تقليدية... غير مألوفة...
ولقد أستغرق منه البحث ثلاثة أيام كاملة...
حتى توقف عند ذلك التاجر البسيط... فوقعت عيناه عليها ساكنة في هدوء...
وكانت بالضبط كما تخيلها...
"ولاعة" غريبة الشكل... سداسية مجسمة لها زر لفتح مقدمتها وزر آخر لخروج اللهب...
وعندها لم يتردد قط... نقد الرجل ثمنها الزهيد فورًا...
وأخذها نشوان...
عبث بنيرانها قليلاً... ثم وضعها في جيبه...
وسار مستكملاً طريقه...
شاعرًا بالراحة والاطمئنان...